اخر ايام الشاعر المعروف والحكيم المشهور خلف ابو زويد الرخيص الشمري فقد عرفت اخباره وانتشرت قصصه وأعلامه بين البادية والحاضرة في زمانه ولكن الذي يخفى الكثير من الناس هي وفاته ونهايته فكان خلف ابو زويد من أهل البادية رحّال نزّال يجوب الاقطار ويقطع الفيافي والقفار فمن المعروف ان البدوي ينزل في ديار الحضر وعلى موارد المياه في وقت الصيف الى ان يبدا فصل الشتاء او على دخول الوسم فيشد ركائبه ويرحل الى الصحراء ويتتبع الكلاء وما تنبت الارض من أجل الحلال ففي سنة من السنوات وهي اخر سنة عاشها الشاعر ابو زويد وهي بعد سقوط حائل وعلى عهد حكم الامير عبدالعزيز بن مساعد فكان ابو زويد من المعمرين نزل هو واهله في مدينة حائل وكان رجل طاعن في السن وقد كف بصره وصابه العمى وقال لأبناءه وأسرته خلصنا ليس لنا عودة الى البادية فقد تعبنا ونريد أن نكون حضر ونسكن حائل ونعيش داخل المدينة فلم يخالفه اهله وانقضى ذلك الصيف ودخل الوسم وبدأت الغيوم والسحاب ينشى وبدأت الأمطار في الهطول فهاجت على خلف ابو زويد واهله ذكرى البادية واتاهم الحنين والشوق إليها ولكن ركائبهم ومواشيهم قد باعوها واشتروا بثمنها مكان في وسط الحضر لأنهم على نية التحضر وعدم الرجوع الى البادية فقال خلف ابو زويد لأحد أبناءه خذني الى مجلس ابن مساعد في قصره اريد أن أقابله ولما اتى الى القصر ودخل على مجلس ابن مساعد وكان ابو زويد كفيف البصر وكان معروف ابو زويد لدي الامير لأن اخباره كانت لا تخفى على أحد فقال خلف ابو زويد: الله يا امير لو ماني عمى!.
فقال الامير: والسبب يا خلف وش تبي تشوف؟
قال خلف ابو زويد: ابي أشوف انت تمسح شاربك والا تحك علباك!!
وقد قصد الشاعر خلف في ذلك انه اذا كان يمسح شاربه الامير يعني سوف يلبي له ما يطلبه اما اذا كان يحك علباه يعني أخذ يفكر وربما لا يلبي ما يلطبه.
وعلى الفور جاوبه الامير لأنه فهم ما أراد خلف: امسح شاربي وانا ابو عبدالله أطلب يا خلف وش تبي؟
قال ابو زويد: يا طويل العمر حنا نوينا تحضر وقلنا البداوه كله نبي نتركه وضربنا بالامثال القديمه على جنب والا المثل قبلنا يقول:
الحيضري ما يستوي كود ببلاد=والبيدوي ما يستوي له تحضريه
لكن ما اخذنا بقول اللي قبلنا وبعنا الحلال وركابنا وشرينا ملك بحائل ودخل علينا الوسم ونزل المطر وعجزنا والله نصبر أنا وأهلي على عيش الحضر والحين ما عندنا ركاب نرحل بها للبادية.
فقال الامير: يا خلف جميع مافي مناختي اليوم من نصيبك أنت وحظك سواء واحده من الأبل او عشر.
فقال خلف يطول عمرك ما قصرت وذهب فوجد في المناخة خمس ركائب فقال الحمدلله يكفن حاجتنا واخذها وشدوا أهله كلهم الا الشاعر جلس بحائل بسبب أنه طاعن بالسن وكان أعمى ولا يحتمل الاسفار وتوفي بعد هذه القصة بفترة لست أعلمها ولكن هذه اخر سوالف الشاعر خلف ابو زويد حكيم شمر الذي يقول ويوصي ابنه:
أوصيك أنا يا ويلدي يا دخيل=لا تصير للأنذال لعيب
من رافق الحصني طاح بمذهبه=لا رافق الحصني نضى لبيب
ولا قنصت لا تقنص الا بهيلع=الدم من مخلاب كفّه صبيب
ولا ترافق الا كل رجل(ن) صميدع=ما حسن تدليبه كل قليب
أن جت بالحيلات رجل(ن) حيلي=وأن جت باللي يرضي الله خطيب
وأحذر تناسب كل عفن(ن) مجرب=ولا ذكر في عفنه يطيب
تلقى منزله قفوا بيت خيّر=هيس(ن) يا شاف الضيوف يشيب
ولا داجوا الرجال بيته=ومشيه باللازمات دبيب
ولا تامن الدنيا ولا تلتهيبه=صيّور مغزاه يصير قريب
والقصيدة تبدو أطول من ذلك
وتقبلوا شكري وخالص شوقي
(((------- أخـر أيام الشاعر خلف أبو زويد -------)))
العرض العادي
